بلجيكا : رعب وسط الجالية المغربية بعد تعيين وكالة استخبارية ترصد ممتلكاتهم بالمغرب

لا حديث اليوم بين أفراد الجاليات المقيمة ببلجيكا و خاصة الجالية المغربية ، إلا عن القرار البلجيكي الصادر مؤخرا من طرف مؤسسة السكن الاجتماعي، و القاضي بطرد مجموعة من الأسر المستفيدة من ذلك النوع من السكن ، لا بل و فرض غرامات مالية ثقيلة عليها، و خاصة بعدما اتضح للسلطات البلجيكية أن بعضها يمتلكون أصولا و عقارات ببلدانهم الأصلية كالمغرب و تركيا و دول أخرى.

 

 

و يأتي ذلك في أعقاب الأحداث الأخيرة التي جرت أطوارها بمنطقة الفلاندر ، حيث  قامت مؤسسة السكن الاجتماعي لمدينة لير بمحافظة أنتويرب البلجيكية في نهاية سبتمبر الماضي ، بطرد ما لا يقل عن 25 عائلة منتمية الى كل من  مدينة لير ، و جزء من كونينغهوسط و إمبلم بمدينة رانست من منازلهم المستأجرة ، بحجة أن لديهم أصولا و عقارات في الخارج ، مما خلف رعبا و استياءا شديدين بين أفرادها ، و خاصة بعد ضربهم بغرامات مالية من الوزن الكبير.

و يقول مدير مؤسسة السكن الاجتماعي لمدينة لير، مارك فاندين أيندي “لقد علم السكان المستفيدون منذ أغسطس الماضي ، أن هذا القرار قد  كان عبئا معلقًا فوق رؤوسهم و أنهم كانوا ملزمون بتنفيذه ” .

 و في هذا الإطار ، حث وزير الإسكان الفلمنكي ماتياس ديبندايلي ( حزب NVA الفلمنكي اليميني-القومي) جميع شركات الإسكان الاجتماعي على الشروع في مثل هذه الإجراءات و الأبحاث.

و يُذكر أن وزير الإسكان الفلمنكي ماتياس ديبندايلي كان قد أعطى الضوء الأخضر ، من أجل إجراء أبحاث و تحريات حول ما إذا كان المستفيدون من السكن الاجتماعي يمتلكون أصولا و عقارات خارج بلجيكا. و تحقيقًا لهذه الغاية ، أبرمت الحكومة الفلمنكية (حكومة جهة الفلاندر) اتفاقية إطارية مع وكالات الأبحاث الخاصة (شركات استخبارية) و المتخصصة في تَقَصِّي العقارات في الخارج. 

 

1- شائعات في ظل صمت الدولة المغربية و سفارتها ببلجيكا

 

و جدير بالذكر أنه قد سبق لمصالح السكن الاجتماعي بمنطقة الفلاندر ، تغريمُ أحد المواطنين البلجيكيين من أصول مغربية بذعيرة مالية  كبيرة تقدر بحوالي 61.000 أورو ، و ذلك بعدما تبين لها أنه يمتلك منزلا متواضعا ببلده الأم المغرب. و ما زاد الطين بلة هو تأييد القضاء البلجيكي لهذا القرار ، بحيث أصبح مُلزِما بقوة القانون. 

و من المعلوم أنه و إلى غاية كتابة هذه السطور ، فإن السلطات المغربية ممثلة في وزارتها الوصية على الجالية و سفارة المملكة المغربية ببروكسيل، لم تصدر بيانا توضيحيا في هذا الشأن، خاصة و أن الأمر يتعلق بالأمن القومي المغربي و سيادة المغرب.

 و يتجلى ذلك في حساسية العمل الاستخباري الذي تقوم به شركة الأبحاث الهولندية المفوضة بالتجسس على أملاك الجالية المغربية ببلدها الأم ، و الذي تستطيع من خلاله جلب معلومات دقيقة و حساسة حول نوعية تلك الأملاك، مُرفقة بمستندات و وثائق رسمية يعتبر الوصول إليها مستحيلا و خاصة من طرف جهات أجنبية ، إلا في حالة إختراق أمني محكم ، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات عميقة تحتاج إلى أجوبة شافية ، أو في حال وجود إتفاقيات سرية بين الحكومتين المغربية و البلجيكية ، يتم بمقتضاها تبادل المعلومات و المعطيات الحساسة حول خصوصيات أفراد الجالية، و هذا ما نفته الدولة المغربية مرارا على لسان وزرائها لشؤون الهجرة المتعاقبين.

 فما هي الحكاية إذن ؟

 يُذكر أنه و حتى في ظل غياب تبادل رسمي للمعلومات بين الدولتين حول ممتلكات الجالية المغربية بالخارج ، فإن الأمر الخطير و اللافت للانتباه ، هو مجاهرة الشركة الهولندية الاستخبارية و المخولة من طرف السلطات البلجيكية بالتجسس على أملاك المغاربة بالخارج ، باستباحتها للتراب المغربي و التجسس بداخل مؤسساته الوطنية مثل وزارة الإسكان و المحافظات العقارية ، على الرغم من أن المغرب يتوفر على أجهزة أمنية ذائعة الصيت على المستوى الإقليمي و الدولي ، مثل مديرية مراقبة  التراب الوطني المعروفة إختصارا ب ديستي ، و المنوطة بحماية الدولة المغربية من التجسس المضاد، إضافة إلى أجهزة استعلامات أخرى مكلفة بنفس المهام. 

و لذلك فإن استخفاف هذه الشركة الاستخبارية الهولندية بالأمن القومي المغربي، يستوجب معه فتح تحقيق معمق من طرف السلطات الأمنية المختصة ، و ذلك من أجل تحديد ملابسات هذا الاختراق الأمني، و كشف الأشخاص و العملاء المغاربة المتورطين فيه من داخل المغرب، و الذين يضربون بعمالتهم القذرة هذه ، اقتصاد و سيادة المغرب في مقتل ، نظرا لما تضخه التحويلات المالية للجالية المغربية في ميزانية الدولة سنويا من أموال طائلة تعد بمئات الملايين من الدولارات. 

 و تروج  بين أوساط الجالية المغربية أيضا، أخبار مفادها أن الدولة المغربية قد وافقت أيضا على تسليم السلطات البلجيكية معلومات حساسة و دقيقة تتعلق بالمدخرات و الأرصدة البنكية لأفراد الجالية، الأمر الذي اعتبره البعض ضربا صارخا لخصوصية الأفراد ، و حرمانا للمهاجرين المغاربة من الاستثمار في بلدهم الأم بعد سنوات طويلة من الغربة و الشقاء.

وفي ظل عدم صدور تصريح رسمي من قبل الدولة المغربية في هذا الشأن ، و توضيح ما إذا كانت هناك إتفاقيات غير معلنة قد تم عقدها بين الدولتين من عدمها،  فإن رعب الجالية المغربية سيزداد تفاقما في ظل شائعات تؤكدها الوقائع و الأحداث الجارية يوما بعد يوم على الساحة البلجيكية.

2- تصريحات حكومية

 

و قال الوزير ديبندايلي: “اعتبارًا من منتصف شهر مارس ، سيكون بمقدور أي مسؤول بمصلحة السكن الاجتماعي، الاتصال بهذه الوكالات البحثية الخاصة دون أي متاعب إدارية. و عموما ، فإنه  سيكون بمقدور هؤلاء المسؤولين تنفيذ مهام بحثية في 41 دولة عبر اتفاقية إطارية. و بفضل بند إضافي في لوائح الدعم ، سيكونون قادرين على بدء مثل هذه الأبحاث في البلدان الأخرى بالإضافة إلى الاتفاقية الإطارية “.

و يقول الوزير” تقدم الحكومة الفلمنكية أيضًا دعمًا ماليًا كبيرًا في هذا الشأن ، حيث يتكون الإجراء من تحقيق أولي يليه التحقيق الفعلي. كما نقوم بتسديد جميع تكاليف التحقيق الأولي الإيجابي و التحقيق الفعلي لشركة الإسكان. و نُعيد للشركة 75٪ من قيمة الفحص التمهيدي في حال كان سلبيا. و لهذه الأسباب ، فإنه لا يوجد الآن أي عذر لشركة الإسكان بعدم إجراء مثل هذا التحقيق ” .

و أضاف “لقد خصصتُ 5 ملايين يورو لهذا الغرض على مدى السنوات الثلاث المقبلة ، لكنني مقتنع بأنه يمكننا بسهولة استرداد هذه الأموال. حيث ستستعيد شركات الإسكان العلاوة الاجتماعية و يتم تحرير الإسكان للأشخاص المستحقين له فعلا”.

 

3- رُعب بين أوساط الجاليتين المغربية و التركية بعد طرد 25 عائلة من منازلهم

 

في مدينة لير Lier بمحافظة  أنتويرب ، سيتم طرد 25 عائلة من منازلهم بعد هذا البحث. حيث قال مدير مؤسسة السكن الإجتماعي لمدينة لير، مارك فاندين أيندي “في أغسطس من العام الماضي ، أرسلنا خطابًا إلى جميع مستأجرينا البالغ عددهم 1100 في لير و إمبلم  ، طالبين منهم الاتصال بنا في حال كانوا يمتلكون عقارًا في الخارج. 

و كما هو معلوم ،  فإنه لا يُسمح لأصحاب العقارات باستئجار مساكن اجتماعية ببلجيكا. إلا أنه و للأسف ، لم يتفاعل أحد بالرد على هذه الرسالة ، باستثناء السيد رحيم أكتيبي ( محامي) ، و الذي سألنا عن الترتيب الذي يمكن إجراؤه في هذا الشأن ، حيث كان ينصح زبائنه بالاتصال بنا ، ولكن حتى ذلك الحين لم نتلق أي أخبار من أحد “.

و اعتمدت مصلحة السكن الاجتماعي بمدينة لير على  ثلاث شركات أبحاث هولندية ، كانت تحقق فيما إذا كان 59 مستأجرًا لديهم عقارات في الخارج. حيث قالت “لقد قمنا بهذا الاختيار بناءًا على وِشاياتٍ من مستأجرين آخرين ، أو لأننا كنا نشك في أنهم غالبًا ما يقيمون في الخارج. فمن بين هؤلاء الـ 59 مستأجرا ، وجدنا أن 25 منهم يمتلكون عقارات في بولندا و إسبانيا و البرتغال و تركيا و جمهورية الدومينيكان و جورجيا ، على التوالي. و لا زلنا الآن بصدد البحث في تسع نتائج ، و هي عبارة عن عقارات محتملة في المغرب و سلوفاكيا “.

 

4- سداد ذعيرة قدرها 35000 أورو

 

و تلقى هؤلاء المستأجرون الـ 25 رسائل الإخلاء منذ أسبوعين. و هذا يعني أنه يتعين عليهم مغادرة منازلهم بحلول نهاية سبتمبر على أبعد تقدير. حيث  يتعلق الأمر بـ 23 عائلة في لير ، و عائلة واحدة في  كونينغ هوسط و أخرى  في إمبلم. كما يتعين عليهم دفع الإيجار العادي (دون تخفيض) اعتبارًا من أبريل ، لأنهم لم يعودوا مؤهلين للحصول على الخصم الاجتماعي. 

و بالنسبة لبعض المستأجرين يمكن أن يرتفع ثمن الإيجار من 350 الآن إلى 700 أورو ابتداءا من  أبريل. و بالإضافة إلى ذلك ، يجب عليهم سداد الخصم السابق على سعر الإيجار. و قال فاندن إيندي “يُسمح لنا باستعادة ما تم تخفيضه من مبلغ الإيجار خلال العشر سنوات الأخيرة، مما يعني أنه يتعين على بعض المستأجرين سداد ما يصل إلى 35000 أورو كذعيرة “.

و تجدر الإشارة إلى أن مؤسسة السكن الاجتماعي بمدينة لير ، سوف تمنح المستأجرين المعنيين مهلة زمنية حتى 15 مايو ، و ذلك لإشعارهم بموعد مغادرة مساكنهم المستأجرة و تحديد طريقة دفع الغرامة. 

و قال فاندين أيندي “أدرك بالطبع ، أن بعض المستأجرين سيلجؤون إلى المحكمة ، لكن جميع القرارات حتى الآن كانت دائمًا لصالح شركات الإسكان الاجتماعي ، بما في ذلك تلك التي كانت قيد الاستئناف”.

و يُذكر أنه من بين 59 مستأجرا شملهم البحث ، فقد تبين أن خمسة منهم لديهم “أصول محدودة” في الخارج. و يتعلق الأمر على سبيل المثال ، بالأشخاص الذين ورثوا قطعة أرض ذات قيمة بسيطة أو الذين ورثوا منزلًا أو شقة مع أفراد الأسرة. حيث سيتم منحهم سنة واحدة للتخلص من تلك الممتلكات. و سيتلقى الأشخاص الخمسة المعنيون رسائل في هذا الشأن خلال الأسبوع الحالي”.

و في خضم هذه الأحداث الغريبة و الطارئة في بلجيكا ، فإن بعض العائلات المتضررة من هذه القرارات القاسية و الغير مسبوقة ، تستعد الآن لمعركة قانونية حامية الوطيس. إلا أنها تفضل البقاء في الظلام و بعيدا عن الأنظار في الوقت الحالي . فوِفقًا لمحامي هذه العائلات السيد رحيم أكتيبي “ليس لدي تفويض من الزبناء المتضررين من أجل التحدث للصحافة  حول هذا الملف في الوقت الحالي”. 

و أضاف : “ستُجرى المحاكمة في المحكمة و تحت إشراف القضاء “.

 
 
إقرأ أيضا : بلجيكا: منافس ريكو، الكيك بوكسر المغربي جمال بن الصديق يتعرض لضربة “أمنية” خارج الحلبة
Exit mobile version