يوضح مجموعة من الخبراء و الباحثين أن حفنة من العملات القديمة التي عثر عليها أحد هواة أجهزة الكشف عن المعادن في ولاية رود آيلاند الأمريكية ، و عدد من الأماكن الأخرى في نيو إنجلاند، قد يمكنها أن تساعد في حل واحدة من أقدم الجرائم التي لم يتم حلها في العالم.
القضية المعنية هي قضية قبطان و قرصان إنجليزي قاتل ، حيث أصبح أكثر المجرمين المطلوبين في العالم بعد مداهمة سفينة محملة بالحجاج في طريق عودتها من مكة إلى الهند. و تشير العملات القديمة إلى أن الكابتن هنري إيفري قد عاش في المستعمرات الأمريكية و يمكنها المساعدة كذلك في شرح كيفية اختفائه دون أن يترك أثراً يُذكر.
و قد كان على متن السفينة التي كانت جزءًا من قافلة حجاج عائدون من مكة إلى الهند ، بالإضافة إلى ثروة هائلة من الذهب و الفضة والمجوهرات، حيث أدى ذلك إلى واحدة من أكثر عمليات السطو المروعة و المربحة في التاريخ . يقال إن هنري و قراصنته قد سرقوا كنزًا بقيمة 600000 جنيه إسترليني ، و هو ما يعادل حاليا أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني. لكن، و وفقًا للروايات التاريخية ، فقد قام القراصنة أيضًا بتعذيب و قتل الرجال على متن السفينة الهندية واغتصبوا النساء ، و هربوا بعد ذلك بما نهبوه إلى جزر الباهاما ، و التي كانت ملاذا للقراصنة في تلك الحقبة.
لكن سرعان ما انتشرت الأخبار عن جريمتهم تلك، إذ تعرض الملك الإنجليزي ويليام الثالث لضغط هائل من كل من الملك المغولي المفزع و الشركة التجارية العملاقة “شركة الهند الشرقية البريطانية” ، لدرجة أنه وضع سعرًا باهظًا على رؤوس القراصنة ، و ذلك بأمر ملكي بريطاني ، كما حذت شركة الهند الشرقية البريطانية حذوه.
و قال جيم بيلي ، و هو مؤرخ هاوٍ من هواة كشف المعادن كان قد عثر على العملات العربية الأولى “إذا بحثت في غوغل عن” أول مطاردة عالمية ” ، فإنك ستحصل على” إيفري” كإجابة”.
و يُذكر أنه في 7 سبتمبر من عام 1695م ، و تحت قيادة الكابتن هنري إيفري ، نصبت سفينة القراصنة ” فانسي” كمينًا و استولت على سفينة گنج سواهی التي كانت في ملكية “أورنجزيب“ ، حاكم إمبراطورية المغول في الهند ، و الذي كان أحد أقوى الرجال في العالم آنذاك.
1- العملة العربية
و إلى غاية الآن ، كان المؤرخون يعرفون فقط أن إيفري قد أبحر إلى أيرلندا في عام 1696 ، حيث يصل الدرب إلى طريق مسدود. لكن بيلي يقول إن العملات المعدنية التي وجدها هو و آخرون تثبت أن القرصان سيئ السمعة وأعضاء الطاقم الآخرين، قد وصلوا أولاً إلى المستعمرات الأمريكية ، حيث استخدموا منهوباتهم لتغطية نفقاتهم اليومية أثناء هروبهم.
و تجدر الإشارة إلى أنه كان قد تم العثور على أول عملة معدنية كاملة من “بايلي” في عام 2014 في “سويت بيري فارم” ، وهي مزرعة فواكه في ميدلتاون ، بجزيرة رود آيلاند. و كان هذا المكان قد أثار اهتمامه بشدة لأنه وجد فيه سابقا عملات استعمارية قديمة ، و إبزيم حذاء من القرن الثامن عشر و رصاصات بندقية كروية الشكل.
وبعد عودته إلى هناك بجهاز الكشف عن المعادن و سماعه إشارة ، بدأ للتو في الحفر، حيث وجد عملة فضية صغيرة داكنة كان يعتقد في الأصل أنها ربما عملة معدنية إسبانية أو نقود مسكوكة من قبل مستعمرة خليج ماساتشوستس.
و لكن عندما ألقى نظرة فاحصة ، رأى النص العربي على العملة مما جعل قلبه ينبض بشكل أسرع. حيث قال ل وكالة أسوشييتد برس للأنباء “ظننتُ ذلك ، يا إلهي”.
و قالت سارة سبورتمان ، عالمة الآثار بولاية كونيتيكت ، حيث تم العثور على إحدى العملات المعدنية التي تعود إلى القرن السابع عشر أثناء التنقيب في مزرعة، “يبدو كما لو أن بعضًا من طاقمه استطاعوا الاستقرار في نيو إنجلاند والاندماج هناك”. و أضافت “يبدو الأمر و كأنه مخطط لغسيل الأموال”.
و أكدت التحقيقات العلمية أن العملة الأجنبية تم سكها في اليمن عام 1693، مما أثار تساؤلات على الفور ، حيث قال بيلي “لا يوجد ما يشير إلى أن المستوطنين الأمريكيين الذين كافحوا لكسب العيش الكريم في العالم الجديد قد سافروا إلى أي مكان في الشرق الأوسط للتجارة خلال تلك الفترة التاريخية. إذ لم يحدث ذلك إلا بعد عقود.
و منذ هذا الاكتشاف الأولي ، وجد علماء الآثار و غيرهم من هواة أجهزة الكشف عن المعادن 15 قطعة نقدية عربية إضافية في نفس المنطقة ، ثلاثة منها في رود آيلاند ، و 10 في ولاية ماساتشوستس ، واثنتان في ولاية كونيتيكت. كما تم العثور على عملة أخرى في ولاية كارولينا الشمالية ، حيث ورد أن بعض رجال إيفري قد ذهبوا إلى الشاطئ أولاً.
و نيو إنجلاند هي منطقة في الشمال الشرقي مما يعرف الآن بالولايات المتحدة. و هي تشمل ولايات كونيتيكت وماين وماساتشوستس ونيو هامبشاير ورود آيلاند وفيرمونت ، و كانت المنطقة الثانية في أمريكا الشمالية بعد فرجينيا حيث أنشأت المستعمرات الإنجليزية.
2- تاجر العبيد
على الرغم من أنه يبدو من الصعب تخيلها الآن ، فقد تمكن إيفري من الاختباء على مرأى من الجميع من خلال التظاهر بأنه تاجر رقيق ، و هي مهنة ظهرت في نيو إنجلاند في تسعينيات القرن السادس عشر. و قال بيلي ” إنه وحتى في طريقه إلى جزر الباهاما ، فقد توقف في جزيرة ريونيون الفرنسية لأخذ بعض السجناء السود على متن السفينة حتى يبدو أكثر مصداقية”.
و تظهر السجلات غير الواضحة إلى حد ما أن القراصنة قد استخدموا سفينة تسمى “زهرة البحر” بعد أن تخلصوا من السفينة فانسي ، وأنها أبحرت على طول الساحل الشرقي. حيث وصلت مع ما يقرب من أربعين من العبيد إلى الميناء الجديد ، بجزيرة رود آيلاند في عام 1696 ، و هو المكان الذي سيصبح مركزًا كبيرًا لتجارة الرقيق في أمريكا الشمالية في القرن الثامن عشر.
و قال بيلي ، الحاصل على شهادة في الأنثروبولوجيا و عمل كمساعد أثري في أواخر الثمانينيات في التحقيق في حطام سفينة القراصنة “ويدة جالي” قبالة ساحل كيب كود، أن هناك مصادر أولية واسعة توضح أن المستعمرات الأمريكية كانت بمثابة قواعد يعمل من خلالها القراصنة.
عملة معدنية ضُربت في اليمن عام 1693 ووجدت في ولاية رود آيلاند بالولايات المتحدة الأمريكية. |
3- القصة
و نشر بيلي و الذي يعمل كمحلل أمني أيضا، النتائج التي توصل إليها في المجلة العلمية لجمعية النقود الأمريكية.
و يقول علماء الآثار والمؤرخين المعهودين و الغير المشتركين في عمله ، إنه مثير للاهتمام و يعتقدون أنه يلقي ضوءًا جديدًا على أحد ألغاز الجريمة الأطول عمراً في العالم.
و قال كيفن ماكبرايد ، أستاذ علم الآثار في جامعة كونيتيكت “إن أبحاث جيم لا تشوبها شائبة ، إنه رائع. إنها قصة جميلة و مثيرة للاهتمام حقًا”.
و قال مارك حنا ، أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو و خبير القرصنة في أمريكا المبكرة ، إنه كاد أن يصاب بالجنون عندما شاهد صورًا لعملات بيلي المعدنية.
و قال حنا ، الذي كتب كتابًا عن القراصنة و صعود الإمبراطورية البريطانية ، “كان اكتشاف تلك العملات شيئًا رائعًا بالنسبة لي”. “قصة القبطان إيفري لها أهمية عالمية. هذا الكائن المادي – هذا الشيء الصغير – يمكن أن يساعدني في شرحها”.
يقول جيم بيلي ، الذي يحتفظ بأهم اكتشافاته في أحد البنوك ، إنه سيواصل البحث. حيث قال “لقد كان البحث دائمًا هو الإثارة ، و ليس المال”. “الشيء الوحيد الأفضل في العثور على هذه الأشياء هو القصص المفقودة وراءها”.
و على الرغم من أن مهنة هنري إيفري كقرصان قد استمرت لمدة عامين فقط ، إلا أنها خلفت آثارا كبيرة. إذ أطلق عليه معاصروه لقب “رئيس القراصنة” و “ملك القراصنة” و كان سيئ السمعة لكونه أحد قباطنة القراصنة القلائل الذين لم يتم القبض عليهم أو قتلهم في القتال. و لأنه كان مرتكب ما أطلق عليه أكثر أعمال القرصنة ربحية في التاريخ ، و الذي تمكن أيضًا من الإفلات بمنهوباته.
و تجدر الإشارة إلى أن أعماله في القرصنة قد كانت مصدر إلهام لكتاب صدر عام 2020 بعنوان ” عدو كل البشرية” بقلم ستيفن جونسون ، و سلسلة ألعاب الفيديو”بلايسطيشن” الشهيرة ب “المجهول”، و نسخة فيلم “المجهول”من بطولة توم هولاند و مارك والبيرج وأنطونيو بانديراس، التي تخطط شركة “سوني بيكتشرز-Sony Pictures” لإصدارها في أوائل عام 2022.