قبل خمسة و سبعين عامًا ، و بالتحديد في السادس من أغسطس عام 1945، أسقط الأمريكيون أول قنبلة ذرية مميتة و مدمرة للغاية من اليورانيوم تُعرف باسم “الصبي الصغير” على مدينة هيروشيما اليابانية – وهي مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 350.000 نسمة. ثم في التاسع ، أي بعد ثلاثة أيام ، تم إطلاق قنبلة بلوتونيوم أخرى تحمل علامة “فات مان” على ناغازاكي .
و قتل هذان الانفجاران أكثر من 300000 شخص. حيث توفي البعض على الفور بينما أصيب آخرون بالعجز بسبب الإشعاع الناتج عن الانفجارات. و هناك أيضًا آخرون نجوا و لكنهم لم يتعافوا بعد من الصدمات الجسدية والعاطفية.
بفضل رئيس الولايات المتحدة آنذاك هاري ترومان ، و الذي أوقف التفجيرات على الفور بعد أن رأى الدمار الذي لحق بالأولين ، و إلا لكانت اليابان قد تم القضاء عليها تمامًا.
و كذلك الإمبراطور الياباني الحكيم الذي استسلم بشكل فظيع و غير مشروط. لكن هل توقف الأمر عند هذا الحد؟ لا أبدا. إذ على الرغم من أن هذه الإجراءات أدت فعليًا إلى إنهاء الحرب العالمية الثانية ، إلا أن نجاح السوفييت في اختبار قنبلتهم النووية عام 1949 كان بمثابة بداية للحرب الباردة المروعة الطويلة و السباق النووي .بداية ، انضم الأمريكيون ، ثم السوفييت ، و الآن دول أخرى في السباق نحو التدمير من خلال تخزين هذه الأسلحة الفتاكة التي تهدد بالقضاء على البشرية برمتها.
لكن هل تعلم العالم شيئًا من هذه الأحداث المؤسفة ؟ الجواب لا للأسف ، فما زلنا نراه اليوم هو عالم مصمم على تدمير نفسه انطلاقا من الطموح الناجم عن الحروب العالمية المدمرة ، وصولا إلى السباق النووي على الأسلحة البيولوجية و الكيميائية و “تسليح” الفضاء قريبًا. حيث تقوم بعض الدول بالفعل بإنشاء قوات فضائية.
لقد رأينا الرئيس ترامب يفتتح مؤخرًا قوة الفضاء الأمريكية. و لا يدري أحد بالضبط ما تشحنه بعض هذه الدول إلى الفضاء كل أسبوع باسم عمليات الإطلاق و المكوكات الفضائية السرية.
عليكم أن تستيقظوا لسباق التسلح الفضائي بشكل جدي. انظروا إلى الموارد الهائلة التي يتم إهدارها في إنتاج بعض أسلحة الدمار الشامل و التي تبلغ تريليونات الدولارات. هل تعلمون ما هي تكلفة إنتاج صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت ، أو صواريخ باليستية عابرة للقارات أو بعض الطائرات الشبح الجوية الفضائية و المائية ، حيث يعتبر بعضها قادر على حمل رؤوس حرب نووية متعددة ، إضافة إلى أسلحة أخرى عالية التقنية.
تخيلوا الآثار الإيجابية التي كانت ستحدثها هذه الموارد و الجهود إذا تم توجيهها لمساعدة البشرية. لسوء الحظ ، فإنه حتى البلدان التي تكافح من أجل اقتصاداتها و تنميتها هي أيضًا منخرطة في هذا السباق المهدر و المكلف و الخطير.
كان الرئيس الأمريكي قد أعلن مؤخرًا أن بلاده تنتج بالفعل صاروخًا سيكون أسرع بـ 15 مرة من الأسلحة الروسية و الصينية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. حيث يستطيع بعضها الوصول إلى أبعد جزء من العالم في أقل من ساعة. و هذا فقط ما يريدون أن يعرفه الجمهور. بالطبع ، سيكون هناك دائمًا الكثير من الأسلحة و الاختراعات و الحرف اليدوية و العمليات السرية التي لن تسمح هذه الدول لمنافسيها بالإطلاع عليها. و مع ذلك ، فمن كان يعلم أن الولايات المتحدة كانت تطور تلك الأسلحة النووية في الأربعينيات؟
الآن ، و على الرغم من وجود معاهدات و احترام متبادل غير مكتوب بين هذه القوى النووية ، فإنه من المحتمل ألا يتم استخدام هذه الأسلحة ما دام ليس هناك تهديد ، لكن تخيلوا نشوب حربٍ بين هذه القوى أو سقوط هذه المواد في أيدي إحدى الجماعات الإرهابية القوية. سيكون ذلك بداية النهاية لعالمنا بكل تأكيد.
فما الذي يفعله العالم حاليا حيال تصعيد التوتر واستخدام الأسلحة من قبل الصين و أمريكا في بحر الصين الجنوبي ، و كذا نزاع الحدود بين الهند و الصين في لاداك و التوتر المستمر في الخليج الفارسي؟
هل تم فعل ما يكفي لوقف الجنون في ليبيا و الصومال و مالي ، و الاضطراب في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا حيث ينشط الإرهابيون هناك منذ أكثر من 15 عامًا، حيث أطلقوا العنان للجحيم في جزء من البلاد في ظل عجز شامل من حكومة الدولة لمواجهتهم ؟
فمن المعلوم أن الوضع الأمني في نيجيريا يعد من أسوأ الأوضاع حيث يتظاهر العالم بأنه يجهل ذلك. يُقتل المئات و يشردون في هذه الأماكن كل أسبوع . هذا هو بالضبط ما شاهده العالم ببهجة و سعادة ، وبمساهمة أيضا ، من بعض عديمي الضمير في قتل و تجويع أكثر من 3 ملايين طفل و امرأة من شعب البيافرا الأعزل في شرق نيجيريا خلال الإبادة الجماعية عام 1967، حيث تُعتبر واحدة من أسوأ الإبادات الجماعية في التاريخ الحديث.
و لسوء الحظ ، فإنه حتى عندما يقال إن العمل العسكري ضد هؤلاء البيافريين قد انتهى ، فإنه لا تزال الحرب السياسية و الاقتصادية و النفسية ضدهم سارية حتى اليوم. إذ من المؤكد أن عدد الأشخاص الذين قُتلوا أو أصيبوا بصدمات نفسية في هذه الأماكن هم أكثر عددا من ضحايا هيروشيما و ناغازاكي.
و للأسف فإن هذه ليست فقط الجهود الوحيدة التي يبذلها الإنسان لتدمير عالمه. فماذا لو تحدثنا مثلا عن قضية تغير المناخ التي تم تجاهلها إلى حد كبير ، ناهيك عن جائحة فيروس كورونا و الحروب التجارية و الدبلوماسية الأنانية غير الضرورية.
إقرأ أيضا: إحياء العصور القديمة الكلاسيكية ، عصر النهضة
و اليوم ، يركع العالم كله على ركبتيه بسبب الفيروس الذي قيل إنه تسرب من مختبر صيني في ووهان. فإلى غاية كتابة هذه السطور ،فقد قتل ” كوفيد-19 ” حوالي 800000 شخصا و أصاب أكثر من 20 مليونًا.
علاوة على ذلك تعرضت الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية للشلل منذ شهور على مستوى العالم بسبب هذا الإهمال أو الشر الذي يُعتبر صنيعة الإنسان نفسه. مما أفضى إلى اضطراب اقتصادي و اجتماعي هائل و غير مسبوق ، لا يمكن قياسه مقارنة مع فقدان ملايين الوظائف و الشركات. و سوف يستغرق الأمر بالفعل بضع سنوات حتى يتعافى العالم من جديد، بل إنه و حتى بعد التعافي ، فلن تعود حياتنا ، و خاصة بالنسبة الناشئة الاجتماعية ، كما كانت مرة أخرى.
الآن ، و مع كل هذه التفسيرات ، لا يزال الكثير يعتقدون أن هذا الفيروس كان سلاحًا بيولوجيًا تم إطلاقه بإهمال أو عن عمد من ووهان . و الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو أنه لا أحد يتحمل مسؤولية الحادث ، أو يعتذر عن إطلاق هذا المستوى من الألم و الحزن و الدموع و الخسارة و الموت في العالم.
و حقيقة فإنه يبدو أن معركة هرمجدون التي تم توقعها منذ فترة طويلة هي على وشك الحدوث قريبا، لكن و مع ذلك فإنه لازال بإمكاننا السيطرة بسرعة على هذه الأفعال و الطموحات و التجاوزات غير الضرورية ، لتجنب تدمير عالمي وشيك و بناء عالم أفضل و سلمي و صحي و مزدهر لنا جميعًا.
عن الكاتب غابرييل أغبو Gabriel Agbo بتصرف.
