أخبار المغربشؤون مغربية

حرب البوليساريو في الصحراء المغربية ، بين الواقع و الخيال

بسبب افتقاره إلى القدرة على توجيه ضربة حاسمة ، فإن البوليساريو يعمل فقط على دفع الأجندة الجزائرية على حساب المواطنين من جميع الأطراف.


هل هناك فعلا حرب في الصحراء الغربية ؟


اعتمادًا على المصدر ، يمكن أن تكون الإجابة محددة بِ”نعم أو لا”. حيث تزعم مصادر في الجزائر و جبهة البوليساريو أن حربا ساخنة و حقيقية تجري على الحدود الجنوبية للمغرب ، بينما يبدو المغرب كله هادئا على جبهته الجنوبية.

و يبدو أن جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر تعتمد بشكل أكبر على إعلامية الحرب ، بدلاً من خوضها في الواقع . حيث أن معظم مقاتليها لا يحملون بنادق كلاشينكوف في الصحراء ، لكنهم بدلاً من ذلك يتمركزون في إسبانيا أو نيوزيلندا ، مسلحين بأجهزة كمبيوتر من نوع آبل المحمولة أو هواتف سامسونغ . و من المفارقات أن معظم هؤلاء “المقاتلين” لن يصفوا أنفسهم على هذا النحو أبدًا.

و تقول جبهة البوليساريو إنها تدافع عن حقوق الأشخاص المضطهدين. و يزعمون أنهم يقاتلون ببسالة ضد القوة الاستعمارية. فمن خلال قراءة غير مكتملة للتاريخ ، يقضون وقتهم على الإنترنت في خدمة استراتيجية الجزائر لمواصلة زعزعة استقرار جارتها الغربية و تقويضها.

و مع ذلك ، فإن السبب الذي يجعل الكثير من الأشخاص ذوي النوايا الحسنة يروجون عن غير قصد لمزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي ، هو نوعية الطبيعة الغامضة لقضية الصحراء الغربية التي تجعل من الصعب للغاية تحديد ما هو حقيقة و ما هو خيال.

إن تاريخ المنطقة معقد جدا بدون العودة لقراءة متأنية لقرون من التاريخ ، و يمكن بسهولة الخلط بين نضال البوليساريو و نضال المقاومة الحقيقية.

إن نزاع الصحراء الغربية غارق في التضليل و الدعاية لسبب واحد فقط ، لأن جميع الأطراف المعنية تخوض حربًا مستحيلة.

1- حرب البوليساريو من الناحية النظرية

 


و بحسب وكالة الصحافة الجزائرية و وكالة البوليساريو نفسها، فإن مليشياتها تقاتل بنشاط في الصحراء الغربية. يزعمون أنهم يلحقون الضرر بالجيش المغربي من خلال الحرب غير النظامية ، و المعروفة أكثر باسم “حرب العصابات”.

حرب العصابات تلك ليست شيئًا جديدًا، فقد سبق مناقشة التكتيكات العسكرية لهذه الإستراتيجية لأكثر من ألفي عام . و يساعد فهم هذا المفهوم في الكشف عن حرب البوليساريو الخيالية.

و يذكر أن الجنرال الصيني و الخبير الاستراتيجي العسكري “صن تزو Sun Tzu” ، سبق و أن أنتج النصوص الأولى عن حرب العصابات منذ ما يقرب من 2500 عام. و قد حث كتابه ، “فن الحرب” ، على عدم تصادم القوات وجهاً لوجه ، لكنه دعا بدلاً من ذلك إلى مضايقة خطوط إمداد العدو ، و مهاجمة أضعف قواته مع تجنب أي صدام نهائي محفوف بالمخاطر.

و بعد أكثر من 2200 عام ، توصل الاستراتيجي الألماني الشهير كارل فون كلاوزفيتز Clausewitz إلى نتيجة مماثلة بعد أن رأى المقاومة الإسبانية تكافح ضد قوى نابليون المتفوقة. حيث وصف في كتابه “الناس في السلاح” ، و هو جزء من أعظم أعماله “في الحرب” ، أن قوة القوة المحلية تتجلى في استخدام تكتيكات حرب العصابات ضد المحتل الأجنبي.

و قد تم استخدام التكتيكات و الاستراتيجيات التي وصفها كل من Sun Tzu و Clausewitz بالتأثيرات المدمرة على مر التاريخ و كذلك في الآونة الأخيرة.

لقد خسرت الولايات المتحدة ، القوة العسكرية البارزة في العالم ، حروبًا متتالية ضد الميليشيات الخرقاء في فيتنام و أفغانستان و العراق. في حين كان كسب الحربين الأخيرين خارج النقاش في الولايات المتحدة ، و الجدل يدور فقط حول متى و كيف يتم الانسحاب.

و يظل السؤال الجوهري مطروحا، و هو إذا افترضنا أن حرب العصابات لا تشكل تهديدًا حقيقيًا لأي جيش تقليدي مثل جيش المغرب ، فلماذا لا تحرز البوليساريو إذن أي تقدم إعلامي إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي .


إقرأ أيضا : التوترات بين المغرب وألمانيا ، قمة جبل الجليد في الصحراء المغربية

2- حرب البوليساريو في الواقع

 


يحب البوليساريو خوض حرب عصابات ، لكن الواقع على الأرض لا يشبه ما يهدف إلى إبرازه في الخارج.

و يدرك قياداته جيدًا أن كلا الجانبين يخوضان كفاحًا محسوسًا ضد الاستعمار. كما أنه يعرف أن المغرب يحاول ببساطة استعادة الأراضي التي فقدها في أعقاب التدافع الاستعماري على إفريقيا ، و تقسيم المغرب من قبل فرنسا و إسبانيا.

من الناحية الأيديولوجية ، يعتمد البوليساريو على قراءة غير مكتملة للتاريخ بدأت في عام 1975 ، من أجل تعزيز قضيته. و من الناحية العملية ، ظلت جبهة البوليساريو تضعف في مقرها الرئيسي في تندوف منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا ، حيث أصبحت أسلحتها وقيادتها أكثر صدءًا و غير ذات فعالية.

إن الجدار الرملي المغربي الذي يبلغ طوله 2700 كيلومتر ، و الذي تصطف على جانبيه المخابئ و الألغام الأرضية ، يمثل هدفا و عقبة للميليشيا.

و منذ إقامة الهيكل الدفاعي ، اضطر البوليساريو إلى التخلي عن غاراته السريعة على الصحراء الغربية ، و هو تكتيك سيطر على الاستراتيجية السابقة. لكن تبقى حرب العصابات بديلا لذلك.

كان كل من صن تزو و كلاوزفيتز يجادلان في حشد القوى و تركيزها على موقف يكون فيه الخصم الأفضل هو الأضعف. و قد تم استخدام هذا التكتيك من أجل تأثير مدمر في أفغانستان و فيتنام ، لكن الصحراء الكبرى هي ساحة معركة مختلفة تمامًا.

لا تشكل الصحراء غطاء غابات فيتنام الخضراء أو جبال أفغانستان ، حيث لا يوجد في الصحراء مكان للاختباء.

و في حال شن مقاتلو البوليساريو هجوما لاختراق أحد المواقع الدفاعية على الجدار الرملي ، فسيجدون أنفسهم حتما في منطقة صحراوية شاسعة ، بحجم بريطانيا العظمى تقريبا. و بعيدا عن المراكز الاقتصادية في المنطقة في العيون و الداخلة ، حيث ستجد الجبهة نفسها محاطة بالقوات المغربية و عرضة لهجمات جوية.

إقرأ أيضا : الصحراء المغربية: مستشاران في السياسة البلجيكية يدعوان الإتحاد الأوروبي لدعم حل الحكم الذاتي

3- القوة التقليدية المغربية

 


مثل هذا الهجوم سيكون بالضبط ما تأمله القيادة العسكرية المغربية.


إن تركيز القوات الكافية لاختراق الجدار بأي طريقة ذات مغزى سيتطلب من البوليساريو إنشاء خطوط إمداد ، و إقامة المعسكرات ، و رؤية قوافل ضخمة من القوات و الأسلحة تتحرك عبر المنطقة القاحلة المنزوعة السلاح.

و مثل هذه الخطوة ستسمح للمغرب باستخدام ورقته الرابحة ، و سلاحه الجوي و قوته النارية المتفوقة ، لتوجيه ما يمكن أن يكون ضربة حاسمة ضد القوة الجزائرية بالوكالة.

إن عدم وجود مثل هذه العملية لدى البوليساريو ، يسلط الضوء مرة أخرى على أن السبب الوحيد الذي يجعلها قادرة على العمل على الإطلاق ، هو بسبب مخيمات تندوف في الجزائر. فحتى إذا ما اشتد القتال ، فيمكن لقواتها الانسحاب إلى الجزائر و تجنب التعرض لأسطول المغرب من الطائرات بدون طيار و طائرات إف -16 المقاتلة.

إن أي مناورة عسكرية حقيقية من شأنها أن تراهن على الجزء الأكبر من القوة العسكرية للبوليساريو ، تعني المخاطرة بفقدان كل شيء ، بعيدًا عن احتضان الجزائر الوقائي.

و على سبيل المثال ، فقد استخدم كل من طالبان و الفيتكونغ و المتمردون العراقيون حرب العصابات بتأثير كبير ، حيث واجهوا محتلاً لم يكن ينوي البقاء طويلا.

و يدور جوهر حرب العصابات حول إحباط قوة محتلة ، و تأخير أي عمل حاسم لها مع استنزاف معنوياتها و دعم الجمهور المحلي للصراع.

و من المعلوم أن المغرب لا يواجه هذه الضغوط لأن سكانه يعتبرون الصحراء الغربية جزءًا من المغرب ما قبل الاستعمار ، وبالتالي فهي مكون أساسي لوحدة أراضيه. و قواته لا تواجه موعدا نهائيا و لا تتأثر بالوعود الانتخابية أو الإعلانات السياسية السابقة لأوانها بالفوز.

فلماذا تدعي البوليساريو أنها تستخدم حرب العصابات بشكل فعال ، ولماذا لا يعترف المغرب بالكاد بوجود أي صراع على الإطلاق؟

4- استراتيجية الجزائر

 


يبدو أن السبب وراء استمرار البوليساريو في الترويج لفكرة أنها تقاتل ، و الفوز في حرب عصابات ضد المغرب ، يدور إلى حد كبير حول صانعي القرار في القمة.

إذ على الرغم من عدم وجود صراع مادي بين المغرب و جبهة البوليساريو ، فإن الحرب تحقق هدفها المنشود.

هذا الهدف ليس وطنًا مستقلاً لجبهة البوليساريو ، و لا إعادة حدود ما قبل الاستعمار للمغرب. فالصراع المستمر هو الهدف بحد ذاته.

و طالما أن التوترات عالية بين البوليساريو و المغرب ، فإن النخبة الجزائرية تستفيد من ذلك الوضع حتما ، طالما إن السلكين العسكري والدبلوماسي المغربيين منشغلان باستمرار، فيما يتم إنفاق ميزانيات الدولة المحدودة على الجيش بدلاً من تنمية البلاد.

و تستخدم النخبة الجزائرية الصراع لتبرير وجودها في لب المعمعة، بينما تطالب مواطنيها الساخطين بالولاء في مواجهة التهديدات الخارجية المتصورة. و في غضون ذلك ، تجر المغرب إلى سباق تسلح تتصدر فيه الجزائر المشهد.

و لا شك أن القيادة الجزائرية تحب أن ترى البوليساريو و هي تؤسس لدويلة عميلة تطوق المغرب بشكل فعال و تعزله عن القارة الأفريقية.

و مع ذلك ، فإن الوضع الراهن المتمثل في عدم الاستقرار و الصراع الوهمي و المعاناة المستمرة للصحراويين يخدم مصالح الجزائر أيضًا.

و ما دامت البوليساريو تعلن انتهاء وقف إطلاق النار ، فإن أنصارها في الصحراء الغربية سيواجهون المزيد من الاستجواب و المراقبة من قبل قوات الأمن المحلية. و تعني حالة الحرب الحالية أن النشطاء المحليين يمكنهم دعم الحرب ، بينما هم يدّعون الاضطهاد لأنهم يخضعون للمراقبة باعتبارهم جهات معادية محتملة.

و في غضون ذلك ، يواصل مئات الآلاف من القوات المغربية الخدمة دون داعٍ في صحراء شديدة الحرارة ، مما يضطر المغرب إلى الدخول في سباق تسلح مع جارته يعود عليه بنتائج عكسية.

5- إنهاء الصراع مع عدم وجود فائزين

 


يرغب كل من المغرب و البوليساريو في حل النزاع من جانب واحد. و مع ذلك ، فإن الواقع على الأرض يجعل هذا الأمر مستحيلاً. و طالما أن البوليساريو تستطيع الانسحاب إلى الجزائر ، فإنها لا تزال تشكل تهديدًا في حين أن التفوق العسكري المغربي يمنع أي تقدم لها على الأرض.

و في غضون ذلك ، يريد معظم أنصار البوليساريو الصحراويين ببساطة إنهاء سنوات من الحياة في مخيمات اللاجئين في الصحراء الجزائرية. إنهم يرغبون في استئناف نمط حياتهم التقليدي ، و أن يمثلهم شعبهم و أن يكون لهم رأي في مصير وطنهم.

و يعتبر هذا الخيار متاحا منذ عام 2007 ، حيث تقدم خطة الحكم الذاتي المغربية حلا للصراع الذي يخدم المصالح المغربية و الصحراوية على حد سواء. و مع ذلك ، و كما ورد في الفقرات السابقة ، فإن المصالح الصحراوية ليس لها علاقة تذكر باستمرار الصراع.

و بدون حل عسكري واضح ، و غياب آفاق انفراج دبلوماسي بين الجزائر و المغرب ، يبدو أن المجتمع الدولي هو الوحيد القادر على حل هكذا نزاع.

و جدير بالذكر ، أنه إذا أقرت جهات فاعلة مثل الاتحاد الأوروبي خطة الحكم الذاتي المغربية، و اعترفت بسيادة المغرب على المنطقة ، فإن المصالح الصحراوية ستنتقل أخيرًا إلى مقدمة المناقشات.

فالاعتراف الدولي سيدفع حتما كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات ، مع اعتبار متمردي البوليساريو بمثابة عدوان جزائري واضح ضد جارتها. حيث سيكون بمقدور الصحراويين رؤية حقوقهم و هي تتوسع بشكل كبير.

كما سيتمكن الصحراويون أخيرًا من انتخاب سياسيين صحراويين لتمثيلهم ، و حكم المنطقة كما يرونه مناسبًا مع بناء علاقة مثمرة مع الرباط.

و في حين أن السياسة الخارجية و قوات الأمن ستكون ضمن نطاق المغرب ، فإن المسؤولين الصحراويين المنتخبين سيكون لهم نفوذ كبير على التنمية الإقليمية و صنع القرار.

و تجدر الإشارة إلى أن الصراع الحالي لا يخدم سوى النخبة الجزائرية و أهدافها المتمثلة في زعزعة استقرار خصمها الغربي.

و عمليا ، فإن مواطني المغرب و الجزائر هم من يدفعون الثمن.

إن تجدد سباق التسلح بين المغرب و الجزائر سيكلف كلا البلدين المليارات ، بينما يواصل العديد من الصحراويين المعاناة في تندوف.

و في حقيقة الأمر ، فإنه إذا كان للنزاع في الصحراء الغربية من حل، فإنه سيتطلب من المجتمع الدولي كسر الجمود و المصادقة على خطة الحكم الذاتي المغربية.

و ختاما ، و في غياب وجود خيار آخر ممكن للسلام على الطاولة ، يمكن للمغرب العربي و شعوبه أن يتنفسوا الصعداء أخيرًا ، و يتخلصوا من العواقب الغير مأمونة لهذا الخلاف الأخوي الذي لا طائل من ورائه.


إقرأ أيضا : بايدن يَسُنُّ 17 إجراءاً لإنهاء عهد ترامب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى