أخبار المغربمغاربة العالم

كيف يمكن للمغرب أن يحمي المهاجرين ضمن جهود مكافحة الاتجار بالبشر

أظهر الوعي العالمي المتزايد بشأن الاتجار بالبشر للكثيرين أن العبودية لم تعد شيئًا من الماضي ، بل إنها اتخذت فقط أشكالًا جديدة في الوقت الحاضر.

 

و يُعرِّف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة و الاتجار بالبشر(تيب) TIP ، مصطلح الاتجار بالبشر، بأنه تجنيد الأشخاص أو تنقيلهم أو إيوائهم لغرض الاستغلال ، مثل الاستغلال الجنسي أو العمل الجبري أو العبودية أو نزع الأعضاء ، و ذلك عن طريق استخدام وسائل غير لائقة مثل التهديد بالقوة أو استخدامها أو مخططات احتيالية أو خداع أو إساءة استخدام السلطة.

و اعتبارًا من عام 2016 ، كان 40.3 مليون شخص ضحايا للاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم.

بالنسبة للمغرب ، يبدو أن الاتجار بالبشر آخذ في الازدياد ، حيث ارتفع من 131 ناجًيا تم تحديدهم في 2018 إلى 423 في 2019 ، إذ يعتبر 146 منهم من الأجانب. و قد يكون هؤلاء أشخاصًا تم جلبهم إلى المغرب عن طريق الإكراه ، لكنهم غالبًا ما يكونون أيضًا مهاجرين معرضين بشكل خاص للاتجار.

 

 

1- فهم الاتجار بالبشر و تهريب المهاجرين

 

كثير من الناس يخطؤون باعتقادهم أن مفهوم الاتجار بالبشر يقتصر فقط على تهريب المهاجرين. و كما يوضح مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة ، فإن تهريب المهاجرين يتكون من مساعدة المهاجرين على الدخول أو البقاء في بلد ما بشكل غير قانوني ، لتحقيق مكاسب مالية أو مادية ، و هو ما يتناقض مع الطبيعة القوية للاتجار بالبشر المحددة سابقًا.

و هذا التمييز مهم ، لأن الترويج لفكرة أن المهاجرين يشاركون فقط في التهريب الطوعي، يمحو محنة المهاجرين المحاصرين بالفعل في نظام الاتجار بالبشر.

ناهيك عن أن تهريب المهاجرين يُفهم على أنه رضائي ، مما يعطي الناس انطباعًا بأن هؤلاء المهاجرين لا يمكن أن يكونوا ضحايا، على الرغم من أن هذه هي القضية المرتبطة به أساسا ، نظرًا لأن التهريب يمكن أن ينطوي على العديد من انتهاكات حقوق الإنسان ، حيث أنه من الأهمية بمكان ألا يتم تجاهل نداءات الناجين من الاتجار بالبشر للمساعدة، و الاعتقاد على أنهم ذئاب تبكي حول شيء يعتقد الناس أنهم قد اشتركوا فيه.

 

 

2- لماذا المهاجرون في خطر

 

غالبا ما يكون المهاجرون  في موقف ضعف ، و بشكل خاص عند عبورهم إلى أوروبا عبر المغرب أو العيش في المغرب بدون وثائق الإقامة. إذ هناك صلة بين الاتجار و تهريب المهاجرين ، حيث غالبًا ما يستغل المتاجرون بالبشر الضغط المالي للمهاجرين و ذلك من أجل توجيههم إلى مخططات الاتجار ، بل قد يتم أخذهم إلى ذلك بالقوة في غالب الأحيان.

و يذكر أنه و على الرغم من بعض السياسات التي تطبقها الحكومة المغربية لتنظيم الهجرة و جعل العملية أكثر أمانًا ، إلا أنه لا يزال عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين من جنوب الصحراء الكبرى متواجدين في المغرب و معرضين لخطر كبير.

و يعتبر النساء و الأطفال على وجه التحديد الأكثر عرضة للاستغلال الجنسي ، حيث يواجهون المزيد من العوائق أمام الهروب من المعتدين عليهم. كما تشكل النساء و الفتيات غالبية الناجين من الاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم . و بالإضافة إلى ذلك ، فإنه غالبًا ما لا يبلغ المهاجرون الذين يعانون من الاتجار عن وضعهم خوفًا من الترحيل ، مما يجعل من الصعب التعرف عليهم.

 

3- عقوبات الاتجار بالبشر ، أثر القانون رقم 27.14

 

إلى غاية عام 2016 ، لم يكن لدى المغرب أية قوانين تعاقب الاتجار بالبشر. حيث كان القانون رقم 27.14 هو أول قانون ينص على ذلك. إذ يعرّف صراحة الجريمة و العقوبات المفروضة على الجناة ، فضلاً عن مسؤولية الدولة في تحديد و مساعدة الناجيات ببعض أحكام الرفاهية و العدالة.

كما ينص القانون على دورات تدريبية للمسؤولين القضائيين و المسؤولين الحكوميين حول أساليب الوقاية و الحماية. و بشكل عام ، كان إصدار هذا القانون خطوة في الاتجاه الصحيح لوضع حد للعبودية الحديثة في المغرب و حماية الفئات الضعيفة مثل المهاجرين.

و على الرغم من الخطوط العريضة لهذه السياسات ، إلا أن الحكومة المغربية لم تذكر سوى القليل عن عدد الناجين الذين تلقوا بالفعل دعمًا نفسيًا و اجتماعيًا و طبيًا أو ماليًا و إسكانيًا ، و لا عن عدد الذين تلقوا مساعدة قانونية و تعاونوا في مقاضاة المتاجرين بهم.

و تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون جديد نسبيًا ، مما يعني أيضًا أن أعداد الاتجار بالبشر في المغرب قد تكون أعلى مما تم تحديده. و وفقًا لتقرير الاتجار بالبشر لعام 2020 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية ، فقد اعتمدت الحكومة المغربية إلى حد كبير على المنظمات غير الحكومية لتولي المزيد من المسؤوليات في هذا الشأن ، مما يثبت مرة أخرى مدى أهميتها للحفاظ على المجتمعات آمنة.

 

4- محاربة الاتجار بالبشر على المستوى الشعبي

 

بعد التعرف على الناجين من الاتجار بالبشر ، و الذين هم غالبًا ما يحتاجون إلى المساعدة في الخروج من العقود الصعبة التي سمحت باستغلالهم ، أو إلى الحماية من المعتدين عليهم. فقد كانت المنظمات غير الحكومية التي يقودها المجتمع المدني حاسمة ، بل يمكن القول إنها كانت مثالية إلى حد كبير في توفير ذلك الطلب.

و جدير بالذكر ، أنه يمكن لمكاتب المساعدة القانونية المجانية ، مثل المكتب القانوني بكلية الحقوق في فاس بالمغرب ، أن تساعد الناجين من الاتجار بالبشر في التنقل بواسطة مستندات قانونية ، إلى أن يتم إعادة توطينهم في منازل آمنة و تمكينهم من العثور على فرص للعمل ، بالإضافة إلى القدرة على الهجرة مرة أخرى إلى وطنهم إذا ما تم إحضارهم إلى المغرب قسرا. 

فمن المألوف للمنظمات غير الحكومية التي تعمل على مساعدة المهاجرين و اللاجئين أن تستقبل أيضًا الناجين من الاتجار بالبشر ، حيث يمكن أن تكون المسألتين مترابطتين في بعض الأحيان.

و تعمل المكاتب القانونية ، التي تم تشكيلها بالتعاون بين جامعة سيدي محمد بن عبد الله و مؤسسة الأطلس الكبير (HAF) ،و بتمويل من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI) و الصندوق الوطني للديمقراطية (NED) ، على توعية العملاء بشأن حقوقهم و الخطوات اللازمة لبدء الجمعيات أو الأعمال التجارية الصغيرة التي يودون مزاولتها.

و تعتبر مثل هذه المبادرات مفيدة للاندماج الاقتصادي لكل من المهاجرين و الناجين من الاتجار بالبشر على حد سواء. 

و تشرح إيمان أخزان ، مديرة البرنامج (HAF أهمية هذا العمل قائلة “لا يدرك الكثير من الناس أنهم ضحايا للاتجار بالبشر ، بل و حتى عندما يكونون كذلك. و يتمثل دورنا في هذه المكاتب القانونية في توجيه هؤلاء الأشخاص ، و تزويدهم بالمساعدة القانونية ، حتى يفهموا وضعهم ويدركون حقوقهم من أجل مساعدتهم على التخلص من وضعهم الراهن”.

و علاوة على ذلك ، يمكن للمنظمات الشعبية أن تكون أساسية لزيادة الوعي حول مسألة الإتجار بالبشر في مجتمعاتهم ، و لإنشاء مساحات آمنة للناجين من أجل التقدم بطلب المساعدة فيما يتعلق بإساءة معاملتهم.

 و أوضحت أمينة أفروخي ، رئيسة دائرة التعاون القضائي الدولي في المملكة المغربية ، أن أحد أكبر التحديات التي أعقبت تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر هو التعرف على الناجين و جعلهم يشعرون بالأمان الكافي للإبلاغ عن الجريمة.

و تتمتع المنظمات الشعبية باتصالات وثيقة مع أفراد المجتمع ، مما يعني أنها لا تستطيع فقط إثبات أنها أكثر قدرة على تحديد متى يتم الاتجار بأشخاص ما ، بل أيضًا في تمكينهم من الوصول إلى المعلومات و الموارد التي يحتاجون إليها للخروج من و ضعهم و العثور على المساعدة القانونية. و هذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص للناجين من المهاجرين الذين يخشون الذهاب إلى مصالح الحكومة للحصول على المساعدة بسبب وضعهم كمهاجرين.

 

و قد سبق للمكتب القانوني بجامعة فاس أن نشر مقالًا في حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي ، من أجل التوعية بمعضلة الاتجار بالبشر. حيث شدد فيه على ضعف المهاجرين في المنطقة أمام هذه الجريمة ، و التزامه بتقديم المساعدة القانونية للناجين إلى جانب المهاجرين و اللاجئين و طالبي اللجوء.

و تقول إيمان أخزان “لسوء الحظ ، لا تزال تجارة الرقيق موجودة اليوم و تهدد بشكل خاص الشابات و النساء و المهاجرين. و هدفنا في المكتب القانوني ليس فقط مساعدة الضحايا ، و لكن أيضًا مساعدة الآخرين حتى لا يصبحوا بدورهم ضحايا محتملين”.

 و تضيف إيمان “مع استمرار المغرب في بناء سياساته و قدراته في مجال مكافحة الاتجار بالبشر ، فمن المهم أن نتذكر الفروق الدقيقة وراء حماية الناجين من المهاجرين و تحديد هوياتهم و الوصول إليهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى