سياسة

التوترات بين المغرب وألمانيا ، قمة جبل الجليد في الصحراء المغربية

علينا أن نرتقب ما إذا كان المغرب سيقدم المزيد من التفاصيل حول تعليق الاتصال بالسفارة الألمانية في الرباط.

 

حيث أنه و في الساعات القليلة الماضية ، امتلأت المواقع الإلكترونية و نشرات الأخبار بالأسئلة و التحليلات حول معنى و أسباب و تأثيرات قرار المغرب بتعليق الاتصال بالسفارة الألمانية في الرباط.

فبالرغم من أن الأسئلة عديدة و متناقضة في بعض الأحيان ، إلا أنه يمكن العثور على بعض الإجابات الأولية المفيدة في رسالة المغرب الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي.

 

1- أسباب التوتر بين المغرب و ألمانيا

 

و يذكر أنه في الأسبوع الماضي ، قد بعث كبير الدبلوماسيين في البلاد برسالة واضحة إلى الاتحاد الأوروبي حول ما يعتبره المغرب الآن شراكة حقيقية. و أشارت الرسالة إلى أن التطورات الأخيرة على جبهات متعددة لم يعد التعاون الاقتصادي كافياً معها لتدعيم العلاقات و الشراكة الدائمة بين الجانبين.

و كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ، الذي أوصل رسالة الرباط ، أكثر تأكيدا لما تتوقعه الرباط من حلفائها بشأن قضية الصحراء الغربية. حيث دعا الاتحاد الأوروبي إلى الخروج من منطقة الراحة الحيادية و اعتماد “الاتجاه الدولي” بشأن نزاع الصحراء.

و جاءت تصريحات بوريطة ردا على الموقف الغامض لبعض الدول فيما يتعلق بالصراع المستمر منذ أربعة عقود.

فبالرغم من الدعم الدولي الواسع النطاق لخطة الحكم الذاتي المغربية “الجادة و ذات المصداقية” ، فإن بعض الدول في الاتحاد الأوروبي تواصل تعزيز مطالب البوليساريو في تقرير المصير.

 

و بالإضافة إلى ارتباط البوليساريو الموثق جيدًا بالجماعات الإرهابية في منطقة الساحل و المزاعم غير القانونية بأنها “الممثل الوحيد للصحراويين” ، فإن نبرة الاتحاد الأوروبي المؤيدة للبوليساريو تتعارض مع “مزاعم” المغرب بشأن الصحراء الغربية.

و تعتبر ألمانيا ، مثل معظم اللاعبين العالميين ، “ملتزمة” ظاهريًا بالعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية.

و مع ذلك ، و من خلال حكمنا على التطورات الأخيرة ، و لا سيما استياء برلين المعلن عن دعم الولايات المتحدة المطلق للمغرب ، فإن مناورات ألمانيا المزعومة وراء الكواليس ، تكذب التزامها المعلن بعملية الأمم المتحدة لتسوية النزاع ، لدرجة أن المغرب الذي غضب أخيرًا مما يعتبره حيادًا مريبًا ، قد قرر اتخاذ موقف متشدد بشأن برلين.

و كانت وزارة الخارجية المغربية  قد أعلنت ، الإثنين ، قرارها غير المسبوق بتعليق جميع الاتصالات مع السفارة الألمانية في الرباط.

و أوضحت الوزارة قرارها مستشهدة “بسوء فهم عميق” يقع في مواجهة مسائل جوهرية للمملكة المغربية.

 

و على الرغم من التطورات الأخيرة في نزاع الصحراء الغربية ، لم تبد ألمانيا أي إشارات على استعدادها للسير على خطى الولايات المتحدة.

و كانت الولايات المتحدة قد اعترفت مؤخرًا بسيادة المغرب على المنطقة ، و أعربت عن دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية كحل جاد و موثوق به لإنهاء النزاع حول الصحراء الغربية.

و يشك بعض المراقبين في أن ألمانيا كانت وراء المحاولة الأخيرة لدفع محكمة العدل الأوروبية لإصدار حكم آخر بشأن شرعية الصادرات الزراعية المغربية إلى الاتحاد الأوروبي.

و تظل النقطة التقليدية المؤيدة لجبهة البوليساريو في مثل هذه الأمور ، و هي أن الموارد القادمة من الصحراء الغربية ، في جنوب المغرب ، يجب استبعادها من اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع المغرب.

و في حين أن المفوضية الأوروبية رفضت مرارًا و تكرارًا هذه الرواية ، فمن المفهوم أن بعض البلدان ، بما في ذلك ألمانيا ، لا تزال مستمرة في الضغط على أوروبا لاتخاذ إجراءات صارمة بشأن المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية.

كما ستراجع محكمة العدل الأوروبية ملف الصحراء الغربية في جلستين مقررتين في الأول و الثاني من شهر مارس الجاري.

و ستُعقد جلستا الاستماع أمام الغرفة التاسعة لمحكمة العدل الأوروبية.

 

و يذكر أن بعض الجماعات الموالية لجبهة البوليساريو ، بما في ذلك الجزائر و جنوب إفريقيا  ، تتحدى و بشكل طبيعي شرعية الصادرات الزراعية و اتفاقيات الصيد الموقعة بين المغرب و الاتحاد الأوروبي.

و إدراكًا منه لأهمية الاتفاقيات ، فاجأ الاتحاد الأوروبي البوليساريو مؤخرًا ، حيث حدد المنتجات الواردة من الصحراء الغربية على أنها لا تخضع لأي حظر.

و قال المفوض الأوروبي للبيئة و المحيطات و مصايد الأسماك ، فيرجينيوس سينكيفيسيوس Virginijus Sinkevicius ، في مذكرة مكتوبة مؤخرًا ، إن واردات المنتجات من الصحراء الغربية إلى الاتحاد الأوروبي يجب ألا تكون “خاضعة لحظر الاستيراد”.

و تعتبر المفوضية الأوروبية الصحراء الغربية إقليمًا “لم تحقق شعوبه بعد قدرًا كاملاً من الحكم الذاتي”.

و أضاف سينكيفيسيوس “نظرًا لأن أنشطة سفن الاتحاد الأوروبي في منطقة الصيد ذات الصلة تحكمها اتفاقية شراكة مصايد الأسماك المستدامة ، و التي لا تزال موضوع إجراءات المحكمة المعلقة ،  فإن المفوضية تمتنع عن تقديم المزيد من التعليقات حول هذه المسألة”.

 و تخطط ألمانيا للوقوف ضد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تدعم قرار الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة المغرب في الصحراء الغربية ، حسب الأستاذ المغربي خالد ياموت Khaled Yamout.

كما دعا الأكاديمي المغربي ألمانيا إلى وقف ضغوطها على الدول الأوروبية وتركها تتمتع بحرية التعبير عن رغبتها في الاعتراف بسيادة المغرب على المنطقة.

و قال ياموت “إذا كانت ألمانيا تريد مصالح مشتركة مع المغرب ، فعليها أن تفهم أن موقفها السلبي للغاية من تطورات قضية الصحراء يجب أن يتغير”.

و عقب قرار الولايات المتحدة بدعم قضية المغرب في الصحراء الغربية ، دعت ألمانيا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن لبحث القضية.

 

2- ليس توترا جديدا

 

يعتقد بعض المراقبين أن التوتر بين المغرب و ألمانيا ليس تطورًا جديدًا علما أنه يختمر منذ أكثر من عام.

حيث ظهرت أولى علامات الخلاف بين البلدين بعد أن تجاهلت ألمانيا المغرب عند تنظيم مؤتمر برلين 2020 حول الأزمة الليبية.

 

و كانت ألمانيا قد استضافت ما كانت تأمل أن يكون مؤتمرًا حافلًا بالأحداث لإنهاء المأزق السياسي في ليبيا ، و استبعدت المغرب من الجهات الفاعلة العالمية و الشرق أوسطية ، و التي تعتبر  برلين صوتها ضروريًا للعملية السياسية الليبية و استقرار منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا بشكل عام.

إن دعوة ألمانيا للجزائر ، البلد الذي قوض تاريخيًا المصالح المغربية و تحدى سلامته الإقليمية بلا هوادة ، كان بمثابة ضرب للرباط التي اعتبرته هجومًا و ازدراءًا بشكل خاص.

ففي بيان لاذع حول استبعاده من مؤتمر برلين ، شكك المغرب في شرعية ألمانيا و دوافعها في استضافة مؤتمر يفترض أنه إنهاء للأزمة الليبية ، و دون أن يكلف نفسه عناء الاعتراف و لو عابرًا باتفاقيات الصخيرات السابقة التي سبق و أن توسط  فيها المغرب.

و ورد في قراءة بيان وزارة الخارجية المغربية  “الرباط لعبت دورًا حاسمًا في إبرام اتفاقيات الصخيرات ، التي هي حتى الآن ، الإطار السياسي الوحيد – بدعم من مجلس الأمن ومقبول من قبل جميع الأطراف الليبية – لحل الأزمة في هذا البلد المغاربي الشقيق”.

و مضت للتعبير عن “دهشة البلاد العميقة لاستبعادها من مؤتمر برلين”.

فبالنسبة للرباط ، كان على ألمانيا أن تعترف على الأقل بالدور المركزي الذي لعبه المغرب في تسهيل العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.

 

و جدير بالذكر أنه في الوقت الذي نظمت فيه ألمانيا مؤتمر برلين الذي فشل في الغالب ، كان المغرب قد استضاف بالفعل عدة جولات من المناقشات بين الفصائل الليبية في مدينة الصخيرات الساحلية. حيث أفضى ذلك إلى توقيع اتفاق الصخيرات ، الذي أصبح أساس العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا.

و على الرغم من عدم دعوته إلى مؤتمر برلين ، فقد استعاد المغرب أهميته في تسوية الصراع الليبي.  ، حيث استضافت البلاد بين شهري سبتمبر وديسمبر عام 2020 عدة اجتماعات مع الفصائل الليبية المتحاربة ، مما ساعد  في تمهيد الطريق لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي يُحتفَل به الآن و تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة.

 

و تجدر الإشارة إلى أن كلا من السفارة الألمانية في المغرب و الحكومة المغربية ، لم تدليا بالمزيد من التعليقات التفصيلية بشأن هذا الوضع. لكن و في الوقت الحالي ، فإنه من الواضح جدا ، أن الرباط تتطلع و بشكل متزايد إلى أن تكون أكثر حزمًا في إشراك الدول في المسائل “المركزية” ، وخاصة الصحراء الغربية.

 

إقرأ أيضا : 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى